02 May 2018
محمود عباس اختار، وللأسف الشديد، المس بذكرى الهولوكوست من خلال تحويله إلى أداة دعائية وسط تشويه التاريخ إلى حد تحميل الضحايا اليهود مسؤولية قتلهم وتحويل هتلر إلى صهيوني.
زعم رئيس السلطة الفلسطيينية محمود عباس في خطاب ألقاه في المجلس الوطني الفلسطيني بأن الهولوكوست لم ينشأ عن مناهضة السامية، وإنما عن "الوظيفة الاجتماعية" لليهود، وعن "الربا والبنوك"، ما أثار رفض الشعوب الأوروبية لليهود، على حد زعمه. ولتبرير ما ذهب إليه، نقل محمود عباس أقوالا لكارل ماركس وستالين وغيرهما، ولكن مجرد زعمه هذا هو معاد للسامية، لأنه يتبنى رواية لا سامية يعود تاريخها إلى مئات السنين، تقوم على ربط اليهود بالطمع. ولو استفاد من التاريخ إلى أدنى قدر، لعلم أن اليهود لم يكونوا يمارسون تشكيلة من المهن وحسب، بل أن معظم يهود أوروبا كانوا من الفقراء، كما أن أدنى حد من اللجوء إلى تاريخ أوروبا كان سيطلعه على تعاظم مناهضة السامية في مختلف أنحاء القارة الأوروبية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي في الواقع التي تقف في خلفية إبادة اليهود خلال فترة الهولوكوست.
كما أن محمود عباس ادعى بأن اتفاق الترانسفر الذي زعم أنه وقع بعد تسلم هتلر مقاليد الحكم بشهر، يفيد بأن هتلر سهل، على حد زعمه، لليهود الهجرة إلى أرض إسرائيل، أي أنه كان يدعم الصهيونية. إلا أن هتلر قد عبر عن موقفه من المشروع الصهيوني، وعلى أحسن وجه، في كتابه "كفاحي" حين قال إن هدف الصهيونية يتمثل في إنشاء مركز تنظيمي لتعميم خدعهم (أي اليهود) على نطاق دولي، على أن يكون مركزا سياديا محميا من خطر تدخل دول أخرى، أي ملجأ للأنذال ومدرسة عليا لرعاية النصابين، ما يعني أن موقف هتلر الحقيقي كان عكس زعم محمود عباس تماما.
إن "اتفاق النقل" الموقع بين الوكالة اليهودية والمالية الألمانية بعد أكثر من نصف سنة من تسلم هتلر لمهام الحكم، لم يكن فعلا، وبطبيعة الحال، عملا هادفا لدعم الصهيونية، بل كان نتيجة لبدايات سياسة النازيين المعادية لليهود، والتي كانت ترمي إلى دفع اليهود لمغادرة ألمانيا وبأسرع ما يمكن. أما "ضريبة الهروب" فكانت متبعة قبل سيطرة النازيين على الحكم، وكان هدفها منع هروب رأس المال من ألمانيا. وقد أجرت الوكالة اليهودية مفاوضات تمخضت عن اتفاق مكّن، عبر ترتيبات مالية معقدة، اليهود الألمان الراغبين في الهجرة إلى أرض إسرائيل، من الحصول، بعد وصولهم إليها، على جانب من أموالهم التي كانوا أودعوها في ألمانيا، وفي هذا الإطار هاجرت نسبة قليلة من يهود ألمانيا فقط. أما هتلر نفسه فلم يكن له ضلع في هذا الاتفاق من قريب أو بعيد.
إن الهولوكوست وليد الرؤيا القائلة بوجوب محو الشعب اليهودي من الوجود. وقد أوضح هتلر لمفتي القدس الحاج أمين الحسيني خلال لقائهما في تشرين الثاني / نوفمبر 1941، أي خلال الهولوكوست نفسه، أن القوات الألمانية حين تقتحم الشرق الأوسط عبر جنوب القوقاز سيكون هدفها إبادة اليهود الذين يعيشون في المنطقة العربية الواقعة تحت رعاية القوة البريطانية العظمى (وقد جاء ذلك ضمن بروتوكول اللقاء).
إن الوقائع التاريخية المتعلقة بالهولوكوست يمكن لمحمود عباس وكافة الناطقين بالضاد في العالم الاطلاع عليها في موقع ياد فاشيم على الإنترنت.
لقد اختار محمود عباس بادعاءاته تلقين الفلسطينيين وإيانا جميعا "درسا في التاريخ" ضمّنه تصريحات مناهضة للسامية وتشويها لحقائق التاريخ.